Wednesday, February 28, 2007

في مقام الألم


مررت بحياتي بالآلآم كثيرة ومتنوعة الشدة، ولكن هذا الأسبوع تعرضت للآلآم لم أستشعر مثلها بحياتي ، حتي عند وفاة اختي ذات الستة عشر عام
أخي الوحيد ، أتم يوم 24 الماضي سنواته السبعة عشر علي فراش المرض ، منذ حوالي اسبوعين اشتكي من الآلآم حادة بالظهر ، كنا نظنها في الأول محاولة منه للتخلص من أعباء المذاكرة لأنه في السنة الثالثة من الثانوية العامة ، فكنا جميعا نتهمه بالدلع وكان أبي يطلب منه دائما الي حد الشجار أحياناً أن يكف عن التوجع ويصبح راجل، ولكن الآلآمه كانت حقيقية هذه المرة وفي أقل من 3 أيام انتقلت إلي قدميه ، وفي خلال يومين تدهورت حالته التي وصلت إلي حد الشلل تقريباً ، فلم يكن يشعر بقدميه ولا يستطيع السير عليها لدرجة أننا كنا نساعده أن يتبول في الفراش ، خلال هذه الفترة عرضناه علي طبيبن عظام ، وأفتوا الإثنين أن هذا مجرد شد عضلي سيزول مع الوقت والحقن ، ولكن حالته تزداد سوءاً ، أشارت إلي صديقتي الصيدلانية أن الأمر يحتاج طبيب مخ وأعصاب ، وقد كان ، ليلة يوم الخميس جاء الينا بالمنزل استشاري بالمخ والأعصاب ، لم يكمل بالكشف عشر دقائق ، فقال لنا بإنزعاج أننا يجب أن ننقله إلي المستشفس في الحال لأن حالته تستلزم تدخل جراحي عاجل، لأنه يشك أن هناك ورم بالنخاع الشوكي
انهارت أمي تماما واغمي عليها ، وفزع اخي وأبي، فكان يجب أن أتماسك لنتصرف بشكل عاجل، كان وقع الصدمة عليا رهيب ، أخي الوحيد ربما يكون مصاب بالسرطان ، وأبي عنده ثلاثي الأمراض الشهير القلب والضغط والسكر وقد خضع لإجراء 3 عمليات في شرايين مختلفة بقلبه ، داهمني خوف لا مثيل له لإحتمال فقد شخص آخر من أفراد عائلتي الصغيرة
ما العمل إذن ، الدكتور طلب منا ضرورة إجراء أشعة بالرنين المغناطيسي لمعرفة الجسم الذي يضغط علي النخاع الشوكي الذي يفقد أخي القدرة علي الحركة ، ونصحنا بعد إجراء الرنين التوجه مباشرة إلي مستشفي الساحل التعليمي حيث يعمل هناك رئيس قسم المخ والأعصاب
طه لا يقدر علي النزول من سريره ، اذن يجب الاتصال بعربة الإسعاف لنقله ، اتصلت بالإسعاف123 وتأخرت العربة علينا ساعاتان ونصف في هذه الفترة كانت أعصابنا تحترق ، تخيلت إذا كان المصاب عنده شئ يستدعي التدخل السريع وإلا يفقد حياته ، غيبوبة سكر أو جلطة مثلا ، وصلت الإسعاف بعد عذاب ، وأخي كان يبكي بشدة لأنه ينزل من منزلنا علي نقالة ، هو الذي كان بالأمس يملئ الحياة تنطيطا ولعبا، قررت التماسك وتهوين الأمر عليه ، وقررت أيضا انني لن أبكي أمام أخي ، حاولت أن أهون عليه وأشد من أزره ،وذهبنا بالفعل لإجراء الرنين المغناطيسي بأحد المراكز بالسيدة زينب ، و جهاز الرنين المغناطيسي هذا جهاز لا أدمي بالمرة ، فهو عبارة عن ما يشبه التابوت ونسبة الإكسجين بداخله قليلة للغاية فتنام علي ظهرك ويجب أن يكون جسدك ثابت تمام كيلا يعيدوا الكرة مرة أخري ، في العادي يأخذ جهاز الرنين حوالي تلت ساعة ، غاب أخي بالداخل حوالي ساعة ونصف كنت أسمع فيها صراخاته من الداخل فكان يمزق قلبي
خرج أخي علي نقالة مرة وحالته النفسية سيئة للغاية وهو يهذي أنه مات وكان في التربة لتوه
حاولت أن أتماسك لأن أمي كانت منهارة تماما
كانت الساعة قاربت علي الرابعة فجراً ، ذهبنا بعد ذلك بأخي إلي مستشفي الساحل لعرض نتيجة الرنين علي الطبيب لإجراء اللازم.
ولمستشفي الساحل حكايات أخري تقطر ألما ، سأحكيها لكم لاحقاً

Tuesday, February 20, 2007

الإسكندرية . . مدينة الرب



أحبها بشدة هذا المدينة ، ويخفق قلبي لسماع اسمها ، بالرغم انني لست من قاطينها ولم أرها في حياتي سوا مرات قليلة ، ولكني أكن لها في داخلي مشاعر خاصة جدا .
الإسكندرية بالفعل هي مدينة الرب ، بناها الأسكندر الأكبر سنة 333 ق . م ، وقد أمر ببناءها بعد أن دخل هيكلاً عظيماً فذبح فيه ذبائح كثيرة ، وسأل ربه أن يبين له أمر هذه المدينة هل يتم بناؤها أم لا ؟ فرأي في منامه كأن رجل قد ظهر له وهو يقول : إنك تبني مدينة يذهب صيتها في العالم . .وتختلط الريح الطيبة بهوائها ، وتصرف عنها السموم والحرور ، ويكتم عنها الشرور . . فبناها بالفعل ثم رحل عنها . .ولما مات حمل اليها ودفن فيها .
وقالوا أن الإسكندرية كات تضئ بالليل بدون مصباح لشدة بياض رخامها ومرمرها ، وكانت أسواقها وشوارعها وأروقتها مقنطرة بها لئلا يصيب أهلها شئ في المطر، وكانت عليها سبعة أسوار من أنواع الحجارة المختلفة أنواعها .
أنهيت عملي ببني سويف ولحقت بي رشا إلي هناك ، وقررنا أن نقوم بمغامرة ليلية مجنونة ، فقد أنهيت عملي في السادسة مساء يوم السبت ، وكان من المقرر العودة إلي القاهرة ، ولكننا قررنا الذهاب لمدة ليلة واحدة بالإسكندرية
ركبنا قطار السادسة من بني سويف - هذه المدينة البائسة - لم نجد مكان لرشا فقضينا المسافة من بني سويف إلي القاهرة بالتناوب علي مقعد واحد ،وصلنا إلي القاهرة في حوالي الثامنة مساءًا وبدأت رحلة البحث عن مواصلات إلي الاسكندرية فشلنا في العثور علي قطار فقررنا ركوب ميكروباص ، وفي هذه الآثناء أجرينا عدة اتصالات هاتفية بأصدقاء لنحدد بنسيون نستطيع أن نبيت به تلك الليلة ، ركبنا الميكروباص وكنا علي البوابة الساعة العاشرة والنصف ، ركب معنا أحد ظباط الصاعقة ، شاب في مقتبل الثلاثين من عمره ولكنه يحمل علي كتفيه كل وساخات الداخلية ، ففي البداية عند ركوبه ، جعل السائق يحمل له شنطته ويمر بها الشارع ، وهو يتعامل معه بتعالي شديدة جدا ، عند وصولنا للرست نزل السائق ليفته الباب للبيه الظابط الذي لم يكلف نفسه عناء أن يحمل حقينته ليفسح مكان للنزول ، انتظر أيضا حتي يحملها السائق ، الذي شعرت كم القهر الذي يحسه الآن، وتكرر المشهد عند الوصول للإسكندرية، بجوارنا كانت تجلس سيدة لم تنقطع عن الحديث في هاتفها المحمول طوال الطريق ، مما أثار استياء الركاب وعندما طلب منها أحدهم أن تخفض صوتها قليلا ليتمكن من مشاهدة الفيلم المعروض ، أبدت دهشة لمحديثها علي الجانب الآخر وأكملت بنفس الايقاع ، حاولت أن أنام لأن الإرهاق كان قد تملك مني تماما ولكني كنت مدفوعة بروح المغامرة القادمة
وصلنا الإسكندرية حوالي الساعة الواحدة صباحاً ، وبمجرد نزولنا من الميكروباص بجوار محطة مصر قابلتنا رياح قوية جدا محملة بالأتربة لدرجة أننا لم نستطيع السير لشدة الرياح ، وتوقعنا أن الطقس غدا سيكون سيئ ، ركبنا تاكسي إلي محطة الرمل حيث الفندق الذي رشحه لنا صديقي حسام ، فندق يونيون ، نزلنا بجوار فندق سيسيل وبدأنا في البحث ، كانت المدينة نائمة تماما ، يكاد لا يوجد مارة بالشارع وعدد قليل جدا من المحلات لا يزال يفتح أبوابه
وصلنا إلي الفندق بعد عناء ، وصعدنا إلي الغرفة ، وضعنا حقائبنا وغيرنا ملابس السفر ونزلنا للبحث عن طعام ، فقد كنا نتضور جوعا ، سيرنا مسافة كبيرة إلي أن وجدنا مطعم يستعد لغلق أبوابه ، الطقس بارد ورائحة اليود هي سيدة الموقف ، دخلنا إلي المطعم في البداية داهمنا صوت فيروز تشدو "شط اسكندرية يا شط الهوا" ،طلبنا كبدة اسكندراني ومكرونة ، ووضع لنا النادل أطباق عديدة ورائعة من سلاطات كثيرة ، أكلنا علي أنغام فيروز ، وكان الطعام أكثر من رائعة خرجنا لنتمشي قليلا وكانت الساعة تقترب من الثانية مساءًا ، لأول مرة في حياتي أكون في الشارع في مثل هذه الساعة المتأخرة وكان إحساس رائع مشوب ببعض الخوف ، نعم ظبت نفسي متلبسة بالخوف من السير في الشارع في مثل هذه الساعة ، وتناقشت أنا ورشا طويلا في المساحة بين الحرية الشخصية التي نطالب بها دوما وبين قدرتنا علي ممارستها وفشلنا الدائم في التخلص من موروث الأسرة والتربية ، فكم كنا نتمني أنا وهي أن نسير ليلا في الشارع لنستمتع بهدوء الليل بعيد عن نهار الحياه الصاخب ، ولكن عندما اتيحيت لنا هذه الفرصة طن في أذنيننا تحذيرات أهالينا من السير متأخراً في الشارع وعن المخاطر التي قد تتعرض لها الفتيات ، وأنه يجب أن يكون معنا رجل في مثل هذه الساعة المتأخرة من الليل.
اختار الرفيق قبل الطريق . . .قالوها القدماء ، صحيحة تلك العبارة ، أكاد أجزم أنني لم أكن أستمتع إلا بوجود رشا إلي جواري – تؤام روحي – أشعر أنني علي راحتي بصحبتها ، وهو الإحساس الأهم تجاه أي انسان يمر بحياتك ، بيننا تفاصيل كثيرة شديدة العمق ، السبب الأساسي في علاقتنا الوطيدة تجربة السجن التي خضناها سويا بمرراتها وأفراحها ودهشتها و أوجاعها.
صعدنا إلي غرفتنا مرة أخري لننام قليلا ، لنبدأ يوما عظيما بهذه المدينة البهية ، استيقظت في الصباح علي صوت رشا توقظني وهي بجوار الشرفة التي تطل علي البحر بمنظر جانبي ، و هي تزف إلي نبأ المطرة ، نهضت سريعا من السرير لأري أبدع منظر رأيته في حياتي ، الكورنيش غارق في المياه والشوارع مغسولة تماما ، أستنشق دفعة كبيرة من الهواء لأملأ رئتيي بالأكسجين واليود ،ونمني أنفسنا بيوم شتوي ممطر ، طلبنا الإفطار ووضعناه بالبلكونة ، كان فطارا رائعا أمام البحر ، سطعت الشمس بقوة في هذه الأثناء، وفي مسافة ساعة كانت كل آثار للأمطار البارحة في خبر كان ، عجيب طقس هذه البلد ، بدأنا النزول للتأهب لرحلة اسكندرانية مميزة ، قررنا في البدء الذهاب إلي قلعة قايتباي ، ركبنا ميكروباص إلي بحري ، ثم تمشينا بجوار البحر ، وكان رذاذ الموج المدهش يببلل ملابسنا ، اشترينا فريسكا ، عند البوابة وجدنا أسعار التذاكر 1 للمصريين و 50 قرش للطلبة ، فقررنا أن ندخل القلعة بخمسين قرش فقط ، أخرجت كارنيه الدراسات العليا ورشا أخرجت كارنيه أكاديمية الفنون ودفعنا 1 جنيه بس، وغمرتنا فرحة طفولية شديدة ، بدأنا في التجول داخل هذه القلعة البديعة جلسنا علي سطح القلعة نسمع أغنية كاميليا جبران الآثيرة لدي "بحب البحر"
منظر البحر من فوق القلعة رائع جدا ، كنت أتمني أن أستطيع تثبيت الزمن عند هذه اللحظات، لو يستطيع الإنسان أن يثبت الزمن عند اللحظات التي يشعر فيها بالفرح ، لعاشت البشرية في سعادة لا تنقطع ،خرجنا من القلعة لنأكل في المنشية ، في رحلة الرجوع أكلنا بليلة من عند "عزة" أشهر آيس كريم في الاسكندرية علي ما اعتقد ،ذهبنا إلي شارع النبي دانيال لشراء كتب قديمة
هناك ملحوظة غريبة جدا في هذه المدينة، نسبة السماء فيها كبيرة جدا ، البلد كلها سما ، الألوان زاهية فوق المعتاد ، الألوان واضحة . . السماء زرقاء فعلا والشجر أخضر والرؤية واضحة تماما ، حيث لا وجود للسحابة السوداء ، وفي المساء السماء مليئة بالنجوم ، التي نسيت شكلها في سماء القاهرة المخنوقة دائما.
في المساء جلسنا علي قهوة التجارية ، وكان لابد من الرحيل . .تمر سريعا هي اللحظات الجميلة في حياتنا

Monday, February 19, 2007

كل سنة وانتي طيبة يا مدونتي . . .


كل سنة ومدونتي طيبة . . .قولوا لي صحيح هي طيبة ولا لأ


بما ان انهاردة عيد ميلادي التدويني ، النقد مباح والمدح طبعا ، مستنياه رأيكوا في سنة تدوين ، وأفكاركوا للتطوير


تفاصيل بتمسي ع الحلوين

Wednesday, February 14, 2007

نهارنا نادي







تفاصيل صباحية
مرت فترة طويلة منذ آخر مرة استيقظت فيها في هذه الساعة المبكرة من الصباح، استيقظت اليوم في تمام الساعة 5.30 فجراً لألحق بقطار الساعة السابعة الذاهب إلي بني سويف.


لقد توقفت عن عادة الاستيقاظ مبكراً منذ أنهيت دراستي الثانوية من حوالي 8 سنوات.


استعدت اليوم كافة طقوسي الصباحية. . صوت أمي ينادي علي بحنان بالغ وكأنها تعتذر لي لاضطرارها لإيقاظي من النوم، وتأكيدي لها علي أنني " هأقوم يا ماما أهو. ." وكالعادة أدير ظهري الناحية الأخرى لأغط في النوم مرة أخري، تعود إلي بعد فترة وتبلل أصابعها بالماء وتضعها علي وجهي، فأنتبه وأحاول بعقل نصف واعي تحديد ما علي إنجازه هذا الصباح لأحدد كم دقيقة أخري من الممكن أن أختلسها في النوم.


أقوم لأفتح الشيش وستائر غرفتي حتى أرغم نفسي علي الاستيقاظ، صوت العصافير يتزاحم من بعيد، في الغرفة المجاورة صوت الراديو علي إذاعة القرآن الكريم ينبعث من غرفة أبي. . في طريقي إلي الحمام أسمع حركة أمي في المطبخ وتصل إلي أنفي رائحة الشاي، والبيض المقلي بالزبدة البلدي، التي تحرص أمي علي استعمالها دوماً، مما يجعل لأكلها طعماً مميزاً.


تعاودني تفاصيلي القديمة التي ترجع لأيام المدرسة، أريد أن أنام ولا أقوي علي فتح عيني. . إذن إنه " الدش البسطرة “. . أسلم رأسي للدش الساخن جدا وأترك المياه الساخنة تنساب علي شعري وأغمض عيني لأستشعر دفء الماء علي جسدي، وفجأة أفتح صنبور الماء البارد بلا أدني تردد وأغلق الساخن سريعاً، فتنتبه كل حواسي مع شهقة أولي لاستيعاب الصدمة ولكن بعد ذلك نتيجة مضمونة ابدأ يومي بنشاط لا مثيل له.


أذهب إلي غرفتي وأفتح الراديو، عندما كنت طفلة كنت أعشق سماع إذاعة " الشرق الأوسط " بداية من الساعة السادسة صباحاً لأسمع الأغاني الصباحية الأكليشيه " يا صباح الخير اللي معانا “، " حلاوة شمسنا “، "يا حلو صبح “. . . . الخ من تلك الأغاني المصراوية جدا
منذ حوالي 12 سنة كانت تذيع " الشرق الأوسط ": صباحاً حوالي الساعة السابعة إلا ربع برنامج أطفال اسمه "فنتستيكا “، داومت علي سماع هذا البرنامج علي مدار رابعة وخامسة ابتدائي مرورا بإعدادي وثانوي، كان الراديو جزء مهم جدا من تفاصيل يومي الدراسي – وللراديو تدوينة أخري – أبحث عن برنامجي المفضل ولكن من الواضح انه اختفي من الخريطة الإذاعية لسنوات، أسمع أغنية جميلة لعفاف راضي " اصحي يا دنيا وقومي يا دنيا "


أقوم بتغيير ملابسي، تدخل عليا أمي بكوب الشاي باللبن وساندو تش البيض – سالف الذكر – أحاول التملص ولكن هيهات، الإفطار طقس مقدس لديها، تطلب مني أمي أن أصلي ركعتين لأنني علي سفر، أومئ برأسي وأقول لها " إن شاء الله " تنظر لي بسخرية وتقول " أنا قلبي تعب معاكي، أنتي حرة اللي ياكل علي ضرسه ينفع نفسه "


أتأكد من حزم حقيبتي، أضع علي ال mp3 موسيقي تكفيني لمدة أربعة أيام، أرفع حقيبتي خلف ظهري و أخرج من غرفتي لأجد أمي تقف لي بشنطة مليئة بالساندويتشات وتبتسم لي وتقولي زى زمان، بقالي كتير ما عملتلكيش ساندويتشات، أحضنها وأقبلها و أؤمن علي دعواتها لي بالسلامة وتوصيني أن اهاتفها فور وصولي للاطمئنان علي، أدخل إلي والدي أجده يصلي، انتظر حتى يفرغ من صلاته ليوصيني الوصايا العشر. . ."خدي بالك من نفسك. . .اقفلي الباب عليكي وأنتي نايمة. . .أتغطي كويس. . .متتكلميش في السياسة بصوت عالي. . . كلمينا كل يوم. . . .الخ “، ويصر علي أن يعطيني مصروفي كما في أيام المدرسة.
أنزل فيقابلني الصوت التاريخي لبائعة اللبن وهي تقول " اللــــــــبن. . أبيض انهاردة ابيض"، ألقي عليها تحية الصباح، فترد " نهارك قشطة يا بنتي"، بالقرب من محطة الأتوبيس تقبع "حنان" بائعة الجرائد التاريخية أيضا، حيث دأب جدي لوالدي – رحمه الله أن يرسلني إليها منذ بلغت الثالثة من عمري، وكان جدي يحفظني شكل ومكان كلمة "الطابعة الثالثة" علي جرنان الأخبار، ولما كانت حنان تعطيني الجرنان طبعة أولي، يعيدني إليها جدي لأقول لها " يا حنان جدو بيقولك هوا ما بيقراش جرايد بايتة ".
أصبح علي حنان، فترد عليا " صباح الفل يا طه " فمنذ أن بلغت أصبحت حنان تناديني باسم أخي، وعبثاً حاولت أقنعها بأن تناديني باسمي.


أركب تاكسي إلي محطة قطار الجيزة، أمر في طريقي علي مدرستي القديمة، اليوم هو عيد الحب، بنات في عمر الزهور يحملن ورودا وقلوب حمراء، كنت أفعل مثلهم بشكل شبه يومي فكنت أمر علي محل الورد بجوار المدرسة لأشتري وردة حمراء لمدرس الكيمياء، فقد كان فارس أحرم مراهقتي.


أفتح شباك التاكسي وأتنسم هواء الصباح الطازج الذي لم تلوثه بعد عوادم السيارات، أملأ رئتي بالأكسجين وأردد " هذا صباح جميل "

Tuesday, February 13, 2007

Happy Valentine's day 3aliko

ولو اني مش مع الإحتفال بأعياد الإمبرالية دي ، انما قشطة
كل سنة وانتوا أطيب
متهيألي في الأيام الغامقة اللي احنا عايشنها دي المفروض كل واحد ينتهز أي فرصة عشان يقول لأي حد كل سنة وهوا طيب
يا رب كلكوا تقضوا يوم جميل ، مليان حب بجد
وعلي رأي عمكوا جاهين
أحسن ما فيها العشق والمعشقة
وشويتين الضحك والتريقة
عيد الحب دا بالنسبة لي جميل أوي
أول مرة من زمان أحس اني مبسوطة وحاسه كويس تجاه نفسي وبحب كل الناس اللي حواليا
والله لو كان بإيدي كنت أخدت بوكيه ورد بلدي أحمر كبير ومشيت أوزع علي كل واحد أقابله وردة
عارفين بجد بقيت مصدقة جملة ناظم حكمت . . اليوم الأجمل هو الذي لم يأتي بعد

Saturday, February 03, 2007

قتلة وأبرياء فــــي سجـــــن النـساء



عندما بدأت الكتابة عن عنبر «6» في سجن النساء، زارتني طوال الليل صور ووجوه من عالم السجن.. زارتني نظرات نساء العنبر عند الدخول وعند الوداع.. أيامي في سجن النساء كانت يمكن أن تمر كالصفحات البيضاء، دون أي انفعالات أو مواقف أحفظها في ذاكرتي، لو لم التق بنساء عنبر «6».

هناك عرفت كيف يمكن أن تتحول الكلمات إلي أحزان، فيظهر الفقر في صورة إنسان، ويرسم الظلم خطوطه علي الوجوه. كانت دهشتي كبيرة حينما اكتشفت أن نساء عنبر «6» مازالت لديهن بكارة الروح وطهارة النفس، فجميعهن يعرفن حقيقة الآخر، ويتعاملن بوضوح ومكاشفة.. فهناك لا وقت للخداع لأن العمر الذي يقضينه في سجن القناطر هو عمر ضائع لا يحتسب إلا في دفاتر الحكومة، رغم أن عنبر «6» هو المخصص لجرائم النفس، إلا أن نساء العنبر أطلقت عليه اسم عنبر «القتلة» وهن يتمتعن في أعراف السجن باحترام أكثر من أي فئة أخري، وحتي إدارة السجن نفسها تعتبره من أقل العنابر شغباً وإثارة للمشاكل، وهو ما جعلني أصدق أنني أمام ضحايا وليس مجرد قتلة، فالزائر الجديد لسجن القناطر قد يشعر بالرعب إذ عرف أنه سيقيم في عنبر «القتلة».



لم يكن عنبر «6» بالنسبة لي مجرد جدران عتيقة وممر طويل يفصل بين «السراير» ينتهي بمرحاض كبير، فالعنبر تحول بالنسبة لي إلي مدينة صغيرة تتكون من أحياء وبنايات متعددة الطوابق وشوارع مزدحمة بضجيج لا ينتهي.. داخل العنبر هناك ساعات للذروة يكون فيها العنبر مزدحماً، وتواجه السجينات أزمة مرورية ضخمة خاصة في المرحاض والطرق المؤدية إليه، وهناك حالات يكون فيها العنبر شبه خال إلا من «السراير» والوسائد المرتبة بعناية منذ الصباح الباكر.
وهناك أوقات يبدو فيها العنبر مثل جمرة نار، فالأفواه المفتوحة لا تهدأ، والكلمات المتراشقة ينتظر الجميع أن تسقط عليها الأمطار لتطفئ لهيبها.



قبل أن تدخل بوابة العنبر رقم «6» تجد علي يمينك ممرا صغيرا يصلح لمرور فرد واحد علي الأكثر يقود إلي غرفة صغيرة مساحتها 16 مترا مربعاً، تحتوي علي 18 سريراً فقط بينما يفوق السجناء عدد السراير، ومن هذه الغرفة تدخل إلي غرفة أصغر مساحتها أربعة أمتار وتعيش فيها ست سجينات حياة كاملة.. وهي الغرفة التي قضيت فيها أيامي كلها في سجن القناطر.
في أحد الأيام زارنا رئيس مصلحة السجون في الغرفة، وسألنا عن أحوالنا وكيف نعيش في هذه الغرفة، ولم نجب عليه ففوجئنا بسيادته يقول بالحرف الواحد «دي عيشة ولا اللي في القصور».. أصابنا كلام رئيس مصلحة السجون بالصدمة، فهو يري في عشش الصفيح التي تعيش فيها نساء القناطر قصوراً.



يبدو ليل مدينة «القتلة» مليئاً بالغموض والحزن، تنبعث من كل زاوية في المدينة مجموعة روائح متداخلة، لكن كيف تمر الأيام داخل مدينة «القتلة»؟! تبدو كل الأيام متشابهة، وتمر كشريط يتم تشغيله من الساعة السابعة صباحاً حتي الواحدة من صباح اليوم التالي، يبدأ اليوم داخل السجن منذ الساعة السابعة صباحاً، بحركة وفوضي كبيرة تجعل العنبر يبدو كأنه في ذروة منتصف النهار، ففي هذا الموعد تقوم بعض السجينات بتجميع أدوات الغسيل مثل الصابون والكلور والأطباق الكبيرة، استعداداً لفتح الباب العمومي للعنابر، فقطاع كبير من السجينات يعملن كـ«غسالات» لباقي السجينات مقابل عدد من «خراطيش» السجائر، وتلتزم الزبونة بغسل عدد معين من الملابس، وبعدها تظهر أكثر المشكلات إثارة في هذا المجال وهو فقدان بعض قطع الغسيل أثناء نشرها فوق مبني المغسلة، فلكل «غسالة» مكان محدد في حجرة الغسيل تعمل فيه طوال الفترة الصباحية، وتقسم السجينات سطح غرفة الغسيل بينهن بالتساوي ولا يمكن لسجينة أن تعتدي علي حبال غيرها، لكن يمكن أن تستأذن غسالة مبتدئة في نشر غسيل زبائنها علي حبال غيرها.
في عنبر «6» الهدوء عمره قصير فبعد خروج طائفة «الغسالات» بدقائق قليلة يحين موعد طائفة الطباخات ففي التاسعة صباحاً تدخل سجن النساء سيارات «كارو» تحمل أطعمة السجينات وبعضها يكون جاهزا وبعضها يتم توزيعه دون إعداد، ويجري ذلك في مطبخ السجن الذي تغير شكله عما كان يظهر في الأفلام والمسلسلات التي تدور في سجن النساء، ولم يعد له وجود، فساحة السجن ضاقت إلي الحد الذي جعل الإدارة تحول المطبخ إلي عنبر تعيش فيه السجينات.. وداخل السجن توجد لوائح دقيقة لتنظيم العمل بين السجينات وهذه اللوائح يطلق عليها اسم «السيرك»، فأي سجينة تريد أن تعمل لابد أن تسجل اسمها أولاً لدي الإدارة حتي تنضم إلي زميلاتها.
في عنبر «القتلة» وجدت مشاعر تحيط بي من كل جانب لم أرها خارج السجن، كنت أتعجب كيف استطاعت هؤلاء السيدات اللاتي أحطن بي بمشاعر أمومية ضافية أن يقتلن؟.. نغص علي هذا التساؤل ليالي طويلة داخل السجن.. لذلك قررت أن أقدم صور لبعض نساء عنبر «القتلة».



(1) بشري:
كان حضورها طاغياً وسط هذه الكومة البشرية التي تسكن عنبر «6» فجلستها مثل ملامحها لا تتغير إلا في حالات نادرة.. ظلت لمدة 12 عاما في سجن القناطر، ولاتزال في انتظارها ثلاث سنوات أخري، لم تقدم نفسها إلينا كما فعلت باقي السجينات لكننا ذهبنا لنتودد لها حتي نتعرف علي الكيان الغامض الذي يفيض بالكبرياء وعزة النفس.
تحب بشري الليل، استطاعت أن تنقش في كل قلوب سجينات عنبر «6» والعنابر المجاورة حبا من نوع خاص فقد ظلت تغزل الصبر في قلوب الجميع، ولم تندم لحظة واحدة علي ما قامت به في حياتها، ولم تندم علي قتل زوجها، فهي تمتلك قناعة مثل الصخر بأنها قدمت نفسها وعمرها المنقضي في سجن القناطر كهدية لابنائها عندما قتلت هذا الأب، ظلت بشري تعمل منذ طفولتها حتي تزوجت، لكن حظها السيئ ربطها بزوج عاطل انجبت منه ثلاثة أبناء كانت هي تخرج للعمل ويبقي هو داخل المنزل، كانت هي تزرع وكان هو يجرف ما تزرعه، ظلت بشري تصرف علي أولادها وزوجها الذي يتعاطي المخدرات، حتي جاءت لحظة النهاية عندما فوجئت بزوجها يعرض أحد أبنائه للبيع لسيدة لم تنجب ليصرف علي المخدرات.. عندها لم تعد بشري تتحمل أكثر، قتلت زوجها ودفنته سراً تحت دورة مياه المنزل بمساعدة شقيقها، الذي حاول ابتزازها ومص دماء أولادها وعندما رفضت ابتزازه أبلغ عنها، وفاجأت بشري الجميع باعترافها التفصيلي بالجريمة، في أول الأمر تعرفت علي بشري رأيت صورة قديمة للسيدة العذراء مريم وسط أشيائها، وكانت المفاجأة بالنسبة لي عندما سمعت صوتها يعلو بالتكبير في صلاة الفجر، تحيرت في أمرها عدة أيام، وعندما أصبحنا أصدقاء سألتها عن صورة العذراء مريم فقالت لي «أنا أحبها وأحب هذه الصورة بشكل خاص»، فقلت لها «وأنا أيضاً أحب العذراء وأحب اسم مريم كثيراً»، فقالت لي مازحة «لن أفرط في هذه الصورة ولن أعطيها لكي»!
يعرف عنبر «6» كله أن بشري لا تأكل إلا من يدها، ومنذ أن دخلت السجن وهي تصرف علي نفسها من عملها، وعندما كانت مريضة رفضت أن تأخذ دواء لم تشتره من نقودها!
أتذكر عيون بشري الوديعة وهي تقدم لنا طعامها بخجل كريم، وكانت تقول لنا إنها لو طالت أن تقدم لنا أغلي طعام في الكون لن تتأخر لكن الايد قصيرة.



(2) نعمة نفادي:
تمتلك «نعمة» ملامح طفولية تجبرك علي أن تداعبها حين تراها وملامح أمومة طيبة تدعو لك باستمرار بهدوء القلب وراحة البال، هذه السيدة الصعيدية القادمة من أسيوط إلي حي العمرانية في محافظة الجيزة دخلت سجن القناطر ولا تبالي بذلك فهي تتعامل مع هذا العالم الجديد بأدائها الخاص، وتعبر بأسلوبها البسيط عن أعقد القضايا، ولا يخلو مجلس نعمة نفادي أو «أم أحمد» كما تحب أن يناديها سكان العنبر من وصلات ضحك متتالية فهي تمتلك قلب أسد وروح قطة.
قالت لي إنها شعرت بوجع في قلبها عندما رأتني مع اسماء ننام في سرير ضيق، ولا نستطيع التقلب فيه، وبعد أن لاحظ علينا «سكان العنبر» أننا نكمل نومنا في النهار، اقترحت علينا أم أحمد أن نأخذ سرير ابنتها بالتبني «حنان»، بحيث تنام حنان بجانبها وأنام في السرير وحدي.
كانت «أم أحمد» تكره الصحافة والصحفيين بصورة مرعبة، فهي تحتفظ في ذاكرتها بالمانشيت الذي كتبته عنها إحدي الصحف وكان يقول «مرات الجزار شربت من دم الجار»، ولأن «أم أحمد» صعيدية لم تغيرها طقوس المدينة، وظلت تنطق حرف «الدال» بدلاً من «الجيم».
تورطت عائلة نعمة نفادي في قضية ثأر قديمة، قتل فيها شقيقها في ليلة زفافه، كما يحدث في الأفلام، وغادر القاتل أسيوط إلي الجيزة وهناك تربص به أهل نعمة وقتلوه، وذكر أحد الشهود في محضر الشرطة وجود سيدة في مسرح الأحداث، وتم توجيه الاتهام إلي والدة «نعمة» بالاشتراك في القتل، ولأن والدتها كانت في سن متأخرة لا تستطيع تحمل قسوة السجن دخلت نعمة السجن بدلاً منها لتقضي عشر سنوات.
كانت نعمة نفادي تبدو لي في السجن مثل شخص جاء إلي هذا المكان بالصدفة، فلعبت دور أمي طوال الوقت وكنت أشعر تجاهها بأحاسيس أمومة حقيقية، ربما لأنها تشبه أمي كثيرا، ولا يمكن أن أنسي الدور الذي لعبته عندما وصلنا خبر الإفراج، فكلما نظرت إليّ وجدتني شاردة، كانت تضغط علي رأسي بحنان وتقول لي: «بكره تخرجي»، ووعدتني أم أحمد بأن تزورني أو تتصل بي فور خروجها من السجن في أكتوبر الماضي، لكنها لم تفعل ذلك حتي الآن، وهذا لا يمنع أنني انتظرها.



(3) هويدا:
تطلق عليها السجينات اسم «هوجان» نظراً لضخامة جسمها، واستعدادها الدائم لتنفيذ المهمات الصعبة التي تواجه العنبر.. وتقوم «هوجان» بطيب خاطر وشقاوة ولاد البلد بتنفيذ ما يوكل إليها من أعمال، وتشعر «هوجان» بسعادة كبيرة، عندما تلقي تأييداً واسعاً من سجينات العنبر وعندما يعتمدن عليها، وهي تتمتع بجميع ملامح الشخصية المصرية الخالصة، مثل «الجدعنة» و«الفهلوة» والشطارة في كسب قوت يومها، وتقاوم «هوجان» الهموم بالضحك والسخرية وتطلق تعبيرات نارية علي ما يعانيه سجن القناطر، وأذكر أنها ألفت رباعية تختصر بها الأوضاع: «توب علينا يا تواب، من مستشفي الكلاب، شقة ناشفة وفول هباب، والسجانة وقفل الباب».
وبعيداً عن حروب هوجان اليومية في عنبر «6» فإن حكايتها كانت أكثر إثارة مما تقوم به داخل العنبر، فالقضية التي قضت علي ذمتها ثلاث سنوات من حياتها داخل السجن، تصلح أن تكون قصة فيلم مثير، تعترف «هوجان» بزهو أنها قتلت أمين شرطة وضابط مباحث للدفاع عن شرفها، وقالت إنها قتلت أمين الشرطة والضابط برصاص ميري - أي علي نفقة وزارة الداخلية - عندما تعرضا لها أثناء عملها في محل الجزارة لم تجد أمامها سوي الساطور للتخلص من تهديدات ضابط المباحث الدائمة الذي حاول الانتقام منها بعدما قتلت أمين الشرطة الذي كان علي صلة قرابة بالضابط، حاول ضابط المباحث الايقاع بـ«هوجان» خاصة بعدما قدم شقيق زوجها نفسه بدلاً منها في قضية مقتل أمين الشرطة الذي حاول الاعتداء عليها.
لم تنس «هويدا» أو «هوجان» أبناءها لحظة واحدة فهي تحلف بهم دائماً في أوقات المحنة، ولم تنس «عبدالله» شقيق زوجها الذي يقضي في السجن عقوبة كان عليها أن تقضيها هي. تحكي «هوجان» عن «عبدالله» بنبرة أخري غير التي تتحدث بها طوال النهار في العنبر، تتحدث وتنظر إلي السماء طالبة أن تجمعهما «الحرية»، لم يرسل عبدالله لهويدا سوي خطاب واحد فقط، مليء بالمشاعر الدافئة، وكانت تطلب منا دائماً أن نقرأ عليها الجواب كلما ضاقت بها الدنيا.



(4) حنان:
احتفلت بعامها التاسع عشر في سجن القناطر بعد رحلة طويلة في «الأحداث»، ومنذ أن دخلت حنان سجن النساء، لم تكل لحظة من العمل والحركة، تحتفظ ملامحها بطفولة حزينة انكسرت علي أعتاب «الإصلاحية» وسجن القناطر، وتؤدي دورها في الحياة كأم في نفس الوقت.. دخلت حنان الإصلاحية بعد الحكم عليها بالحبس لمدة عشر سنوات، لم تكن قد أكملت الخمسة عشر عاماً من عمرها، تتشابه قصة حنان مع عشرات القصص التي يقدمها التليفزيون بركاكة، لكني لم أتصور لحظة أن هذه الفتاة استطاعت أن تبدأ حياتها بالقتل، فما قامت به الفتاة كان قتل خطأ سببه الأساسي عدم تصور الطفلة أن الآلة التي تحملها في يدها لتدافع عن نفسها يمكن أن تقتل وتنهي حياة إنسان!
تنتظر حنان الإفراج لكي تكمل «نعمة نفادي» مشوارها الذي بدأته مع الطفلة منذ أن دخلت سجن القناطر، وعدت نعمة حنان بأنها لن تخرج من الجحيم إلي الجحيم، وقالت لها إنهما سيعيشان سوياً في منزل نعمة ومع أبنائها، ووعدتها نعمة بأن تزوجها مثلما تفعل مع بناتها.



(5) إيمان:
دخولنا إلي حياة «إيمان» أشعرها بضرورة التمرد علي الاستغلال الذي عاشت فيه لمدة ثلاث سنوات، فقررت أن تصبح نفسها.. ولايزال أمامها 12 سنة في سجن القناطر.
منذ البداية قبلت إيمان أن تنام علي الأرض في مساحة تكفي لنوم طفل لا يتجاوز عشر سنوات، فعلت ذلك باستمتاع ورضا حتي أنام مع أسماء علي «سريرها» الصغير، كانت تغضب بشدة، عندما كنت أصمم علي غسل ملابسي بنفسي أو مساعدتها في إعداد الطعام.. انتظرت كثيرا أن نسألها عن أسباب الحكم عليها بالسجن المؤبد رغم أنها لاتزال في العقد الثالث من عمرها، واذهلتنا حين قالت إن سبب حبسها هو إصابة بسيطة فوق حاجب سيدة أثناء مشاجرة عادية، ونظراً لعلاقات هذه السيدة في قسم الشرطة، تم تقييد الحادثة بأنها «شروع في قتل».
تركت «إيمان» والدتها تبكي علي عمر ابنتها الضائع دون فستان للزفاف أو شهادة متوسطة، وتستقطع والدة إيمان من خبزها اليومي لتجهز زيارة كبيرة لابنتها تكفيها لمدة شهر أو عدة أسابيع، بعد أن علمت أن أحوال السجن تشبه أيام «الضنك».



(6) حياة:
تبحث «حياة» دائماً عن معني للحياة من خلال اللعب والتنكيت والمشاهدة المستمرة للتليفزيون، وهي تتواصل مع أفراد عنبر «6» بنفس الطريقة التي كانت تتواصل بها مع جيرانها في بولاق الدكرور، تنطق «حياة» بعبارات خاصة بها، فيمكن أن تستبدل حروف من بعض الكلمات وتضع غيرها، ولا تقبل أن يصلح لها أحد مخارج ألفاظها فهي راضية بذلك، طالما يفهمها الجميع.. وحياة هي ابنة بشري بالتبني، ويمكن أن نقول إنها ورثت كل طباع بشري من عزة النفس والكبرياء وهي تحب أمها بشري حباً شديداً، ولا تقبل أن تسيء إلي كرامتها، فأذكر أن خلافا كبيرا نشب بين بشري وحياة وفي ليلة مرض بشري جلست حياة بجانبها طوال الليل تبكي وتجفف لها عرقها، لم أشاهد في حياتي منظراً بهذه العذوبة، أبكت حياة كل سجينات الغرفة من رقة المشاعر المتدفقة من ابنة إلي أم لم تلدها، تقضي «حياة» عقوبة القتل الخطأ بعد مشاجرة عادية كالتي تحدث في شوارع القاهرة وتنتظر الإفراج قريبا» أن تحتفل بعده بعامها الخامس والعشرين!



(7) هنية:
تعرضت هنية لأشرس أنواع التعذيب حتي تعترف بجريمة قتل لم تقم بها من الأساس، وفقاً لتأكيد الطبيب الشرعي، بأن آثار كوب اللبن الموجود في غرفة القتيلة كان لرجل وليس فتاة، فهنية التي رفضت أن يمس جسدها محترفو التعذيب، خوفاً من الصدمة التي ستقع علي أهلها بعد معرفة ما حدث، قالت لهم اعترف بما تريدون ووقعت علي أقوال لم تدل بها.
وتواجه هنية السجن بضحكة واسعة، فهي تدرك أن ما فات من عمرها داخل السجن، أكبر مما هو باق، قرر الزمن أن ينهب منها 18 سنة داخل أسوار القناطر، دون سبب سوي أنها كانت صديقة للقتيلة.
(8) شادية:
توفي زوج شادية نتيجة صعقة كهربائية أثناء إصلاح كابل النور في شقته، وظل زوجها في مستشفي قصر العيني لمدة أربعة أيام قبل أن يتوفي، اعتقد ضابط في قسم العمرانية أن شادية دبرت جريمة للخلاص من الرجل الذي لم يكن يملك شيئاً في الدنيا!! فاتهمها الضابط بقتل الزوج، وظل يعذبها حتي تعترف بالجريمة، لكنها أصرت علي الرفض وعندما هددها ضابط القسم بأن يحضر أكبر أبنائها الرجال ليري أمه وهي تنتهك أمامه، فوافقت شادية علي الاعتراف بما يريده الضابط، وصدر ضدها حكم بالحبس لمدة 20 سنة، وبعد خمس سنوات داخل السجن، جاء خبر موت ابنها في حادثة سيارة! عندما تلقت الخبر قالت: «ماذا يبقي للإنسان بعد ذلك كي يعيش».



(9) سامية:
يتبقي لسامية شهور معدودة لتخرج من القناطر لكنها لا تعرف أين تذهب بعدها.. فلم يعد أحد يتذكرها، أو يريد أن يتذكرها، فأولادها امتنعوا عن زيارتها منذ سنوات طويلة تجعلها لا تذكر إلا وجوههم في آخر زيارة، وتحاول دائماً أن تتخيل التغييرات الجوهرية التي طرأت علي ملامحهم بفعل الزمن والقسوة.
يمكننا أن نسمي سامية «منشدة» عنبر «6» فهي المسئولة الأولي عن إحياء حفلات الإفراج والمناسبات السعيدة التي تكسر حدة السجن وهي تمتلك صوتاً ناعماً، كما أنها تحفظ عددا كبيرا من الأغاني التي تؤديها بطريقتها الخاصة ومن أكثر الأغاني التي برعت سامية في أدائها أغاني فردوس عبدالحميد في المسلسل الشهير «ليلة القبض علي فاطمة»، وعندما تغني سامية «بتغني لمين ولمين يا حمام، يدخل العنبر كله في وصلة طرب من نوع خاص، ولا يمكن أن أنسي تحفة «سامية» الخاصة التي لم اسمع مثلها في حياتي وهي أغنية «الله يا ليل»، بالإضافة إلي صوتها الشجي، فسامية تمتلك وجهاً يحتفظ بابتسامة حرة وطليقة يزداد انتعاشاً عندما تداعبني مرددة الشعارات والهتافات التي ظللنا طوال فترة السجن نرددها، فكان الهتاف المحبب لسامية هو جزءًا من أغنية الشاعر أحمد فؤاد نجم التي تبدأ ب«الجدع جدع والجبان جبان».



(10) سامية «كيرلوس»:
لايزال أمامها سنوات طويلة علي الإفراج تنتظر بعدها رؤية طفلتها ذات الأعوام الأربعة بفارغ الصبر وتمثل سامية حالة صارخة علي صعوبة قوانين الزواج بين أقباط مصر، فقد اضطرتها ظروف الحياة إلي الزواج من شخص لا تحبه، وعانت سامية مع زوجها كثيراً، ورغم ذلك كان دائم الاستهتار بها للحد الذي جعله يستضيف واحدة من الساقطات في منزله وأمام عينها، عندها لم تحتمل سامية ذلك وقررت أن تجد حلاً لمأساتها، وفي إحدي الخناقات بينهما أمسكت سامية آلة حادة وضربت بها الزوج ليسقط غارقاً في دمائه.. يزورها والدها كل فترة ويحمل إليها ابنتها الصغيرة ويكرر جملته المعتادة في كل زيارة «سامحيني يا بنتي أنا السبب في اللي انتي فيه».



(11) نشوي وأمها:
هذه الحكاية من قلب الصعيد القاسي، وكما يطلق عليه «الصعيد اللي واكل ناسه»، تقضي كل من أم نشوي وابنتها عقوبة بسبب قتل طفل رضيع، هو ابن نشوي!
أحبت نشوي شابا في مثل عمرها وتورطت معه في علاقة، كانت إحدي نتائجها مولودا صغيرا في أحشائها وفشلت في التخلص منه حتي كبر بداخلها، انجبت نشوي، وتحت وطأة ظروف وقوانين الصعيد اشتركت نشوي مع والدتها في قتل الطفل وعندما وصلت الأخبار للشرطة تم تقديمها للمحاكمة وصدر ضدها حكم بالسجن المؤبد وضد والدتها بالحبس عشر سنوات.. هذه ليست نهاية المأساة، فالعائلة تنتظر خروج نشوي من السجن حتي يغسلوا عارهم» بقتلها! تعيش نشوي وأمها في السجن، والابنة تخرج كل صباح لكسب قوتها وقوت أمها، وتعود إليها في نهاية اليوم بقليل من الأرز أو قطعة من اللحم!



(11) صفاء:
أطلقنا عليها اسم «فاتنة» عنبر «6» وأحياناً «المرأة الجرس» فهي تحرص علي الاهتمام بمظهرها، رغم انشغالها الدائم بإدارة شئون العنبر، تعيش «فاتنة» العنبر حياة حالمة حالياً بعد أن كررت أحداث فيلم «الحب في الزنزانة» وتعرفت علي أحد السجناء بالصدفة أثناء دخوله سجن النساء لإصلاح بعض التلفيات، وتبادلا سوياً الرسائل والصور واتفقا علي الزواج، وكان من المفترض أن يعقدا زفافهما منذ أسابيع قليلة وظل العنبر يهنئ صفاء علي الزواج في حفلة اقيمت لهذا الغرض، رغم إنه لايزال أمامها سنوات عديدة قبل الخروج من السجن، لكن الزوج وعدها بأن ينتظرها حتي تخرج.
رشا عزب
نشرت هذه المقالة في جريدة الفجر - العدد الصادر في 29/1/2007